نلاحظ أن الحرب بالوكالة الدائرة في السودان منذ خمسين عامًا ركزت بدرجة كبيرة على السيطرة على الخرطوم. لقد ظهرت المدينة كحلم للحركات المسلحة الساعية إلى محاسبة النظام وإنهاء السلطة. غير أن الأزمة ليست حول الخرطوم كعاصمة تضم الجيوش واللصوص، بل كولاية تعقّد الوضع الإنساني في السودان. ويعود ذلك إلى اكتظاظ أكثر من نصف السكان في مكان واحد طلبًا للخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية.
لقد ترتب على ذلك عجزٌ عن توفير هذه الخدمات لعدد هائل من السكان في بقعة واحدة، الأمر الذي أدى بدوره إلى تهميش جميع الأقاليم الأخرى. فأصبحت هذه المناطق، تلقائيًا، مكتفية ذاتيًا ومرتبطة بالدولة فقط من ناحية السلطة الشكلية. وقد خلق ذلك فجوة طبقية عميقة – ليس فقط بين الأغنياء والفقراء، بل بين سكان البلدات الصغيرة وما يُسمّى بالازدهار الوطني.
استمر هذا التهميش لسنوات طويلة، ما دفع سكان تلك المناطق في نهاية المطاف إلى أن يصبحوا أدوات في أيدي وكلاء الحركات المسلحة، تُستغل لدفع أجندات سياسية أو عسكرية أو لإشعال حروب كلّفت آلاف الأرواح البريئة.
إن فهمنا للواقع الطبقي ولحرب الطبقات لا ينفصل عن حاجتنا لحل مشاكلنا وإدارة ثورتنا ضد السلطة. النظام الحالي يكرر نفسه بوحشية، فيسحق كل بقايا الأمل، ويشدد قبضته على كل ما يجعل الحياة ممكنة في هذا البلد. فالمياه والكهرباء والإنترنت منعدمة في معظم أنحاء السودان، ناهيك عن الرعاية الصحية والتعليم.
هذا البلد المنهار والممزق ما يزال، بشكل مدهش، غنيمة مطمع للقوى العسكرية والفاشية الإسلامية وتحالفاتها الرخيصة مع المصالح الإمبريالية.
ليس مقبولًا أن يقترح الأناركيون حلولًا من خلال عدسة قومية. لكنني أعبر عن هذا الحزن كمرثية لجهود العمال ونضالات الأبطال الحقيقيين الذين سعوا لبناء مجتمع أقل عدائية. ومع عملنا على توسيع مشروعنا التحرري، فإننا نحرص على أن يكون شاملاً. حتى الطبقات الاجتماعية في السودان – أولئك الذين لا يعرفون سوى الرعي أو التعدين أو الزراعة – يشاركون بطريقتهم الخاصة في برنامجنا التحرري، ويدفعون حدود تجربتنا الانعتاقية إلى أبعد مدى ممكن.
– فواز مرتضى
المقال مأخوذ من نشرة « الأمل »، العدد الخامس
جدول المحتويات
- السودان: أزمة الخرطوم أم خرطوم الأزمة ؟
- مستقبل المجموعة في السودان
- فولن
- المغرب: تحيا نضالات الشباب والشعب ضد الفسادوالاستبداد ومن أجل الصحة والتعليم والحرية!
- قابس: الحق في الحياة
- من أجل مستقبل یبنی من قبلنا نحن جمیعا
Previous issues :
الأمل (Al Amal) / Hope #1 https://cnt-ait.info/2025/02/09/hope-al-amal-1-2025
الأمل (Al Amal) / Hope #2 https://cnt-ait.info/2025/04/15/al-amal-2
الأمل (Al Amal) / Hope #3-4 https://cnt-ait.info/2025/07/13/al-amal-3-4-en

3 commentaires sur السودان: أزمة الخرطوم أم خرطوم الأزمة ؟