نستور إيفانوفيش ماخنو (1888 – 1934)، أناركي-شيوعي أوكراني وقائد حرب العصابات العسكرية خلال الحرب الأهلية الروسية.
نستور ماخنو: أناركي أوكراني شارك في الأحداث العاصفة لثورة أكتوبر و شكل جيشا فلاحيا – عماليا قام بحرب الأنصار ضد الحرس الأبيض و جيوش التدخل الخارجي و القوميين الأوكرانيين . رغم دوره الكبير في هزيمة كل هؤلاء قام الحكم الجديد بسحق الجيش الماخنوفي بقيادة مباشرة من تروتسكي . لعب بعد ذلك دورا هاما في صياغة تجارب الأناركيين الروس في الثورة الروسية .
الثورة الأناركية
نستور ماخنو
1
الأناركية – هي حياة من الحرية و الاستقلال الخلاق للإنسانية .
لا تعتمد الأناركية على نظرية أو برامج , إنها تحاول أن تحيط بحياة الإنسان في كليتها . إنها تعليم , يقوم على الحياة الفعلية , ينمو متجاوزا كل القيود الاصطناعية , و لا يمكن حصرها بأي نظام .
الشكل الملموس للأناركية هو مجتمع حر غير خاضع للحكومة , يمنح الحرية , المساواة و التضامن لكل أعضائه . و توجد أسسه في الفهم الإنساني للمسؤولية المتبادلة , التي بقيت ثابتة في كل زمان ومكان . هذا الحس بالمسؤولية قادر على ضمان الحرية و العدالة الاجتماعية للجميع بواسطة جهودهم غير المدعومة من سواهم . إنها أيضا الأساس للشيوعية الحقيقية .
لذلك فالأناركية جزء من الطبيعة البشرية , و الشيوعية هي امتدادها الطبيعي .
هذا يقود إلى ضرورة صياغة النظريات الأساسية للأناركية باستخدام التحليل المادي الفعلي و المنظم . البعض ( أعداء الحرية , وأعداء التضامن ) يحاولون طمس حقائق الأناركية و التشهير بمثلها , آخرون ( المكافحون من أجل حق الإنسان بحياة لائقة ) يعملون على تطوير و إظهار مثلها . أعتقد أن غودوين , برودون , باكونين , موست , كروبوتكين , مالاتيستا , س. فاور , و غيرهم لم يعتقدوا قط أنه كان بإمكانهم إعداد شكل نهائي للأناركية , بنية من الدوغما ( العقائد الجامدة ) العلمية الثابتة التي لا تتغير , من خلال نظرياتهم . عوضا عن ذلك تمثل تعاليم الأناركية جهدا جماعيا للكشف عن جذورها في الطبيعة الإنسانية , و لإثبات أن الإنجازات الإبداعية للإنسان لم تنحرف عنها أبدا , إن الخاصية الأساسية للأناركية , نفي كل عبودية , توجد بالمثل في الطبيعة الإنسانية .
تعني الأناركية الحرية , لا يمكن للاشتراكية أن تحطم القيود أو العبودية .
أنا أناركي و ثوري شخصيا , و قد شاركت في نشاطات الشعب الثوري في أوكرانيا . الأوكرانيون شعب يدرك فطريا معنى الأفكار الأناركية و من يمثلها . لقد عانوا من ضيق لا يوصف , لكنهم لم يتوقفوا أبدا عن الحديث عن حريتهم و عن الحرية في شكل حياتهم . لقد وقعت شخصيا في أخطاء تكتيكية غالبا في هذا الطريق الصعب و كثيرا ما كنت ضعيفا و غير قادر على محاكمة الأمور . لكن لأني فهمت بشكل صحيح الأهداف التي كنت و إخواني نعمل في سبيلها و لأني كنت قادرا على مراقبة تأثير الأناركية الحية أثناء النضال من أجل الحرية و الاستقلال . فقد بقيت مقتنعا على أساس خبرتي النضالية العملية بأن الأناركية ثورية , و متعددة و رفيعة في كل مظهر من مظاهرها كما هي الحياة الإنسانية نفسها . حتى لو أني أحسست فقط بأضعف مقدار من التعاطف مع النشاط الأناركي الثوري فإني سأستمر بدعوتك , أيها القارئ و الأخ , لتبدأ النضال في سبيل مثال الأناركية , لأنه فقط إذا ناضلت في سبيل هذا المثال و دعمته ستفهمه جيدا . إن الأناركية ثورية في هذا الجانب و في جوانب أخرى عديدة . كلما كان الإنسان أكثر وعيا كلما كانت أفكاره عن واقعه أعمق . سيدرك واقع عبوديته و ستستيقظ الروح الأناركية و الثورية فيه و تظهر نفسها في أفكاره و أفعاله . هذا صحيح لكل رجل و امرأة حتى لو لم يسمعوا بها أبدا .
تلعب الأناركية دورا هاما في إثراء الحياة الإنسانية , هذه حقيقة يدركها المستبدون تماما كما يدركها المضطهدون . يقوم المستبدون بكل ما في وسعهم ليشوهوا مثال الأناركية , أما المضطهدون فيفعلون كل ما بوسعهم لدفعها إلى الأمام . لقد نجحت الحضارة المعاصرة في جعل الأناركية معروفة أكثر حتى بالنسبة لكل من السادة و العبيد على حد سواء , لكنها لم تكن أبدا قادرة على القضاء على أو إلغاء هذا الاحتجاج الأساسي للطبيعة الإنسانية , لأنها لم تكن قادرة على سحق المفكرين المستقلين الذين أثبتوا أن الله غير موجود . ما أن جرى إثبات هذا حتى أصبح من السهل إزالة الغطاء الذي يخفي اصطناعية الكهنوت و التراتبيات الهرمية التي تدعمه .
لكن أفكار أخرى عديدة قد أعلنت إلى جانب الأناركية : « الليبرالية » , الاشتراكية و الشيوعية البلشفية . هذه المعتقدات على الرغم من تأثيرها الكبير على المجتمع المعاصر , و رغم انتصارها على كل من الرجعية و الحرية , تقوم على أساس متزعزع بسبب اصطناعيتها , و إنكارها للتطور العضوي و جنوحها نحو الشلل .
الإنسان الحر من جهة أخرى قد ألقى بعيدا بشباك الماضي جميعا مع أكاذيبها و همجيتها . لقد دفن الجثة المتعفنة للعبودية و فكرة أن الماضي أفضل . حرر الإنسان نفسه جزئيا من تشوش الأكاذيب و الهمجية , التي استعبدته منذ يوم ولادته , من عبادة الحربة ( أي السلاح – المترجم ) , المال , الشرعية و العلم المنافق .
فيم يحرر الإنسان نفسه من هذه الإهانة فإنه يفهم نفسه بشكل أفضل , و ما أن يفهم نفسه فإن كتاب حياته سيفتح له . و سيرى فيه مباشرة أن حياته السابقة لم تكن إلا عبودية بغيضة و أن بنية العبودية هذه قد تآمرت لتخنق كل ميزاته الفطرية الجيدة . و يرى أن حياته هذه قد حولته إلى وحش للواجب , عبدا لواحد من أو بعض السادة فوق الآخرين , أو إلى أحمق يدمر و يدوس على كل ما هو نبيل في الإنسان عندما يؤمر بأن يفعل ذلك . لكن عندما توقظ الحرية الإنسان فإنها ستدمر كل الأشياء الاصطناعية إلى هباء و كل ما يقف في وجه الإبداع المستقل . هكذا يتحرك الإنسان في طريق التطور . في الأزمنة الماضية كان يتحرك في مدى جيل أو ما يقارب , لكن الآن تتحرك هذه العملية سنة بعد أخرى , لا يرغب الإنسان أن يكون لجاما أكاديميا لحكم الآخرين أو أن يتحمل حكم الآخرين له . ما أن يتحرر الإنسان من آلهة الأرض و « السماء » , من « أشكال السلوك الحسن » و من أخلاقيته , التي تقوم على هؤلاء الآلهة , فإنه سيرفع صوته و يناضل ضد عبودية الجنس البشري و تشويه طبيعته .
الإنسان المحتج , الذي أدرك بالكامل هويته و الذي يرى الآن بعينين مفتوحتين تماما , الذي يتعطش اليوم للحرية و الكمال , يخلق اليوم مجموعات من البشر الأحرار الذين يشدهم إلى بعضهم البعض كل من المثل العليا و الفعل . كل من يتصل بهذه المجموعات سينبذ مرتبة التابع أو الخادم و سيحرر نفسه من الهيمنة الغبية للآخرين . أي إنسان عادي يأتي من حراثة الأرض , من المصنع , من مقعد الجامعة أو من المقعد الأكاديمي سيدرك انحطاط أو ذل العبودية . عندما يكشف الإنسان عن شخصيته الحقيقية فإنه سيلقي بعيدا بكل الأفكار الاصطناعية , التي تناضل ضد حقوقه في الوجود الشخصي , لصالح علاقة السيد – العبد في المجتمع المعاصر . ما أن يدفع الإنسان إلى المقدمة بالعناصر الصافية في شخصيته و التي سيخلق من خلالها مجتمع إنساني جديد حر , فإنه سيصبح أناركيا و ثوريا . هكذا يجري استيعاب مثال الأناركية و انتشاره بين البشر , سيدرك الناس الأحرار حقيقتها العميقة , وضوحها و نقاءها , رسالتها عن الحرية و الإبداع .
لذلك فإن فكرة الأناركية , تعليم الحياة المتجددة للإنسان كفرد و ككائن اجتماعي , مرتبطة بالوعي الذاتي للإنسان و إدراكه لدمل أو الخراج المتقيح للظلم في المجتمع المعاصر . لذلك توجد الأناركية فقط بشكل غير قانوني أو نصف قانوني , لكن ليس بشكل شرعي كامل أبدا .
في العالم المعاصر , لا يعيش المجتمع لنفسه بل للحفاظ على علاقة السيد – العبد , الدولة . يمكن للمرء أن يذهب أبعد و يقول أن المجتمع يلغي فرديته . بتعابير إنسانية إنه لا يوجد على الإطلاق . لكن يعتقد بشكل واسع أن الدولة هي المجتمع . لكن هل « المجتمع » هو مجموعة من البشر الذين يعيشون فيما يجلسون على أكتاف كل البشرية ؟ لماذا الإنسان كفرد أو كجمهور يعد بمئات الملايين هم لا شيء مقارنة بمجموعة بليدة من « القادة السياسيين » ؟ هذه الضباع , الحكام سواء من اليسار أو من اليمين , هم محقون في استيائهم من فكرة الأناركية . البرجوازية صريحة في هذا الصدد على الأقل . لكن اشتراكيي الدولة من كل التسميات بما في ذلك البلاشفة مشغولون بمقايضة أسماء حكم سلطة البرجوازية بأسماء من اختراعهم , فيم يتركون بنيتها بالضرورة دون تغيير . لذلك فإنهم يحاولون إنقاذ علاقة السيد – العبد و كل تناقضاتها . رغم أنهم مدركين أن هذه التناقضات غير قابلة للتسوية بكل معنى الكلمة مع أفكارهم الاحترافية فإنهم على الرغم من ذلك يتمسكون بها لكي يحبطوا وضع الأناركية الشيوعية موضع التطبيق . في برامجهم يقول اشتراكيو الدولة أنه يجب السماح للإنسان بأن يحرر نفسه « اجتماعيا » . لكن لا تقال حتى كلمة واحدة عن الحرية الروحية للإنسان , عن حريته الإنسانية . بدلا عن ذلك فهم يتأكدون الآن من أنه لا يمكن تحرير الإنسان خارج وصايتهم . « التحرير » تحت إدارة أي حكومة أو بنية سياسية – ما علاقة ذلك بالحرية ؟ البرجوازي , الذي لم يكرس نفسه أبدا لمهمة جعل أي شيء جميلا أو مفيدا , يقول للعامل : « من كان عبدا لمرة واحدة فهو عبد أبدا » . لا يمكننا إصلاح الحياة الاجتماعية لأنه لدينا رأس مال كبير جدا في الصناعة و الزراعة . إضافة إلى أن الحياة المعاصرة ممتعة بالنسبة لنا , أن كل الملوك , كل الرؤساء , و أن حكوماتهم ترعى آمالنا و تنحني أمامنا . إن العبيد هم مسؤوليتهم » أو يقول : « إن حياة المجتمع المعاصر تعج بالوعود الكبرى ! » .
« لا , لا ! » يصرخ الاشتراكيون البرجوازيون و الشيوعيون . « إننا نختلف !! » و يسرعون بعدها إلى العمال , يقودوهم إلى الأحزاب , و يدعونهم للتمرد وفق الآتي : « اطردوا البرجوازية من مواقعهم و سلموا سلطتهم لنا. سنعمل من أجلكم . سنحرركم » .
و هكذا فإن العمال الذي تفوق كراهيتهم للحكومة حتى أكثر من كراهيتهم لتلك الطفيليات , ينهضون في ثورة لتدمير آلة السلطة و ممثليها . لكن إما بسبب الغباء أو السذاجة فإنهم يسمحون بوصول الاشتراكية إلى السلطة . هكذا وصل الشيوعيون إلى السلطة في روسيا . هؤلاء الشيوعيين هم الحثالة الحقيقية للإنسانية . إنهم يدوسون و يقتلون الناس العاديين و يشنقون الحرية , إنهم يطلقون النار على الناس تماما كما يفعل البرجوازيون . إنهم يطلقون النار على الناس الذين يفكرون بشكل مختلف عنهم لكي يخضعوهم لسلطتهم , لكي يستعبدوهم لحساب عرش الحكومة التي استولوا عليها للتو . إنهم يستأجرون الحراس لأنفسهم و القتلة ليتعاملوا مع البشر الأحرار . تحت ثقل القيود التي خلقتها « جمهورية العمال » الجديدة في روسيا , يئن الإنسان و يتأوه كما كان يفعل تحت الحكم البرجوازي . في كل مكان آخر يئن الإنسان تحت نير البرجوازية أو الاشتراكي البرجوازي . إن الجلادين , الجدد و القدامى , أقوياء . لقد أتقنوا فن القمع التكتيكي للمعارضة , و الإنسان يثور فقط لكي يحتج في سبيل حقوقه قبل أن يسقط مرة أخرى تحت عبء السلطة و اليأس . إنه يضع يديه جانبا فيم تربط الأنشوطة أو الأحبولة حول عنقه مرة أخرى , مغلقا عينيه كعبد أمام جلاده المسرور .
من هذه المشاهد المنتشرة للبؤس الإنساني و من البؤس الفردي يجب على الإنسان أن يشكل قناعاته , يدعو بقية البشر إخوته , و يقاتل في سبيل الحرية . إن الإنسان حر فقط إذا كان مستعدا لقتل كل جلاد وكل زعيم سلطة إذا لم يرغبوا بالتوقف عن مهامهم المشينة . هو حر فقط إذا لم يعر كثير اهتمام لتغيير حكومته و إذا لم يضلل ب »جمهورية العمال » البلشفية . عليه أن يضمن إقامة مجتمع حر فعلا يقوم على المسؤولية الشخصية , المجتمع الحر الوحيد . يجب أن يكون حكمه على الدولة هو التدمير الكامل : « لا . يجب ألا يكون هذا . إلى التمرد ! انهضوا أيها الأخوة , ضد كل الحكومات , دمروا سلطة البرجوازية و لا تسمحوا للحكومات الاشتراكية و البلشفية أن تظهر إلى الحياة ! دمروا كل سلطة و اطردوا ممثليها ! » .
كانت هناك حتى لحظات كانت فيها سلطة الاشتراكيين و الشيوعيين أسوأ من البرجوازية , لأنهم يدوسون على أفكارهم نفسها و يسحقونها . بعد تحسسهم أسرار مفاتيح الحكومة البرجوازية يصبح الشيوعيون مذنبين و مختلسين , إنهم لا يرغبون أن ترى الجماهير ما الذي يفعلونه , لذلك فهم يكذبون و يخدعون و يحتالون . إذا لاحظت الجماهير ذلك فإنهم ستغلي بسخط . هكذا فالحكومة تهاجمهم في عربدة من اللا مسؤولية و تسفك دماءهم باسم « الاشتراكية » و « الشيوعية » . بالطبع أن الحكومة قد ألقت منذ زمن طويل بهذه الأفكار إلى القمامة . في لحظات كهذه يكون حكم الاشتراكيين و الشيوعيين أكثر انحطاطا من حكم البرجوازية لأنه حتى غير أصيل في استعانته بآليات القمع البرجوازي . فيم تعلق الحكومة البرجوازية ثوريا ما على المشانق , فإن الحكومات الاشتراكية أو البلشفية سوف تتسلل و ستخنقه أثناء نومه أو تقتله بالحيلة . كلا الفعلين سافل أو خسيس . لكن الاشتراكيين أكثر خسة بسبب طرقهم .
أي ثورة سياسية يتصارع فيها البرجوازيون , الاشتراكيون و شيوعيو الدولة مع بعضهم البعض على الهيمنة السياسية فيم يقحمون الجماهير التي تظهر الخصائص المذكورة أعلاه , فإن المثال الأكثر وضوحا هو الثورات الروسية في فبراير شباط وأكتوبر تشرين الأول 1917 . عندما أحست الجماهير العاملة التي كونت روسيا القيصرية أنها قد تحررت جزئيا من الرجعية , بدأت العمل باتجاه الحرية الكاملة . عبرت هذه الجماهير عن رغبتها بتجريد ملاك الأرض و الأديرة من الملكية أما بقية الأعمال فقد جرى الاستيلاء عليها من قبل الذين يعملون فيها . بذلت محاولات لخلق الاتصال بين البلدات و القرى . و فيم كانوا منخرطين في هذا النشاط كان الناس بالطبع غير مدركين أن هناك حكومات قد تشكلت في كييف , خاركوف , سانت بطرسبرغ و أماكن أخرى . كان الناس في الحقيقة يضعون الأساس لمجتمع جديد حر سيطرد كل الطفيليات و الحكومات و حماقة السلطة . هذا النشاط السليم كان ملحوظا بشكل خاص في الأورال , في سيبيريا , و في أوكرانيا . و قد جرى التعليق عليه من قبل الأنظمة القديمة كما الجديدة في بتروغراد , موسكو , كييف و تفليس . لكن الاشتراكيين مثلهم مثل البلاشفة كان لديهم ( و ما يزال ) عضوية حزبية منتشرة بشكل واسع و شبكة جيدة التوزيع من القتلة المحترفين . يجب هنا أن نضيف أنه إضافة إلى هؤلاء القتلة المحترفين , فإنهم قد استخدموا أناسا من كوادرنا . بمساعدة هؤلاء الناس تمكنوا من تقزيم حرية الشعب إلى مجرد جنين . وقد قاموا بعمل جيد . إن محاكم التفتيش الإسبانية كانت لتبدو مغفلة أو خرقاء مع شيء من الحسد أمامهم .
إننا نعرف الآن الحقائق الفعلية وراء الحكومات . للبلاشفة و الاشتراكيين نقول : »يا للعار ! يا للخزي ! لقد تحدثتم كثيرا عن إرهاب البرجوازية و قد أخذتم جانب الثورة بحماسة شديدة . و لكن الآن و أنتم في السلطة أظهرتم أنفسكم مثل نفس الأغبياء القدامى نفس خدام البرجوازية , و عبيدا لأساليبهم . لقد حولتم أنفسكم إلى برجوازية » . بالنظر إلى تجارب الشيوعية البلشفية أثناء السنوات الحالية تعرف البرجوازية على نحو كامل أن هذا الصنف الخاص من الاشتراكية لا يمكنه أن يتدبر أموره دون استخدام أساليبهم أو دون استخدامهم شخصيا . إنها تعرف أن استغلال و اضطهاد الغالبية العاملة متأصل في هذا النظام , و أن الحياة الشريرة للكسل لم تلق بعيدا في الاشتراكية , بل إنها فقط مجرد تنكر تحت اسم آخر قبل أن تنتشر و تتأسس مرة أخرى .
هذه هي الحقيقة ! عليك فقط أن تنظر إلى تخريب البلاشفة و احتكارهم لانتصارات الشعب الثورية ! انظر إلى جواسيسهم , بوليسهم , قوانينهم , سجونهم , سجانيهم , و جيوشهم من الوكلاء . إن الجيش « الأحمر » هو فقط نفس الجيش القديم تحت اسم جديد .
الليبرالية , الاشتراكية , البلشفية , هم ثلاثة إخوة يذهب كل منهم في طريق مختلفة لانتزاع السلطة على الإنسان . تستخدم هذه السلطة لإعاقة تقدم الإنسان نحو تحقيق الذات و الاستقلالية .
إلى التمرد !
هذه هي صرخة الثوري الأناركي للمستغلين . أيها الثائر , دمر كل حكومة و تأكد ألا تتأسس من جديد . تستخدم السلطة من قبل أولئك الذين لم يعيشوا بالفعل من عمل أيديهم . سلطة الحكومة لن تسمح للعمال حتى بملامسة الطريق إلى الحرية , إنها أداة الكسالى الذين يريدون السيطرة على الآخرين , و لا يهم إذا كانت السلطة في أيدي البرجوازية , الاشتراكيين , أو البلاشفة , إنها منحطة . لا توجد حكومة دون أسنان , أسنان لتمزق أي إنسان يتشوف إلى حياة حرة وعادلة .
أيها الأخ , اطرد السلطة بنفسك . لا تجعلها تستميلك أبدا أو تستميل إخوتك . إن حياة جماعية بالفعل لا تبنى بالبرامج أو بالحكومات بل بحرية الجنس البشري , بإبداعه و استقلاليته .
إن حرية أي فرد تحمل ضمنها بذرة مجتمع حر وكامل دون حكومة , مجتمع حر يعيش في تكامل عضوي و غير مركزي , متوحدا في سعيه إلى الهدف الإنساني العظيم : الأناركية الشيوعية !
2
الشيوعية الأناركية هي مجتمع عظيم في تناغم كامل . إنه يتشكل بشكل طوعي من الأفراد الأحرار الذين يشكلون جمعيات و اتحادات بحسب حاجتهم . تناضل الأناركية الشيوعية ضد كل الشرور و كل ظلم متأصل في الحكومات .
يهدف مجتمع حر غير محكوم إلى تجميل الحياة بالعمل الفكري و اليدوي . سيمتلك كموارد له كل ما أعطته الطبيعة للإنسان إضافة إلى ثروات الطبيعة التي لا تنضب , سيجعل الإنسان ثملا من جمال الأرض و منتعشا بحريته الخاصة التي صنعها هو بنفسه . ستسمح الأناركية الشيوعية للإنسان بتطوير استقلاله الإبداعي في كل الاتجاهات , سيكون أتباعها أحرارا و سعيدين بالحياة , يوجههم العمل الأخوي و التبادلية أو المقابلة بالمثل . لن تكون هناك حاجة لسجون , لجلادين , جواسيس أو عملاء , الذين هم جميعا نتاجا للبرجوازية و للاشتراكيين , لأنه لن تكون هناك حاجة للسارق و القاتل الغبي الذي هو الدولة . أعدوا أنفسكم أيها الإخوة لخلق هذا المجتمع ! أعدوا المنظمات و الأفكار ! تذكروا أنه يجب أن تكون منظماتكم سليمة من الهجوم . إن عدو حريتكم هو الدولة المشخصنة في خمسة أشخاص :
– مالك الملكية
– محب الحروب
– القاضي
– الكاهن ( أي رجل الدين – المترجم )
– الأكاديميون الذين يشوهون الحقيقة عن الإنسان
هؤلاء الأخيرين يضعون « القوانين التاريخية » و « النماذج القانونية » , و يخربشون بشكل أملس أو بارع لكي يحصلوا على المال , إنهم مشغولون كل الوقت بمحاولة إثبات صحة مزاعم الأربعة الأوائل بالسلطة التي تؤدي إلى انحطاط الحياة البشرية .
إن العدو قوي . لقد صرف وقته لآلاف السنوات مراكما الخبرة في السرقة , العنف , الاستباحة و القتل . لقد مر بأزمة داخلية لكنه اليوم مشغول بتغيير مظهره الخارجي , لكنه يفعل ذلك فقط لأن حياته كانت مهددة من قبل معرفة جديدة ناشئة . هذه المعرفة الجديدة توقظ الإنسان من نومه الطويل , و تحرره من مواقفه المسبقة التي غرسها فيه هؤلاء الخمسة , مانحة إياه سلاحا ليقاتل في سبيل مجتمعه الحقيقي . هذا التغيير في المظهر الخارجي لعدونا يمكن رؤيته في الإصلاحية . لقد ظهرت لتحارب الثورة التي شاركت فيها . في الثورة الروسية , بدا أن الخمسة قد اختفوا من على وجه الأرض … لكن هذا كان ظاهريا فقط . في الحقيقة لقد غير عدونا ملامحه مؤقتا و هو الآن يحشد مجندين جدد ليقاتلوننا . الشيوعية البلشفية هي كاشفة في هذا الصدد , لكن سيمر وقت طويل قبل أن ينسى هذا المذهب نضال الإنسان في سبيل الحرية الحقيقية .
الطريقة الوحيدة الموثوقة لشن نضال ناجح ضد الاستعباد هي الثورة الاجتماعية التي تشارك فيها الجماهير في نضال متواصل ( تطور ) . عندما تندلع أولا , تكون الثورة الاجتماعية بدائية . إنها تمهد الطريق لمنظماتها الخاصة فيم تحطم أي سد يقام ضدها بشكل اصطناعي . هذه السدود في الواقع تزيد قوتها فقط . يعمل الثوريون الأناركيون بالفعل من أجل هذا , و كل إنسان يدرك ثقل العبودية عليه , فإن عليه واجب مساعدة الأناركي , في نفس الوقت كل إنسان يجب أن يشعر أنه مسؤول عن كل الإنسانية عندما يناضل ضد خمسة الدولة . يجب على كل إنسان أن يذكر أيضا أن الثورة الاجتماعية ستحتاج إلى طرق مناسبة للتحقق , هذا صحيح خاصة للأناركي الذي يستكشف طريق الحرية . أثناء المرحلة التدميرية للثورة فيم يجري حظر العبودية و تبدأ الحرية بالانتشار في انفجار بدائي , فإن المنظمات و الطرق الحازمة ضرورية لضمان المكاسب . في هذه المرحلة تحتاج الثورة إليك بشكل اضطراري جدا . الثورة الروسية , التي لعب فيها الأناركيون دورا هاما ( الذي لم يستطع الأناركيون النهوض به لأنهم قد حرموا الفعل ) , جعلتنا ندرك حقيقة أن الجماهير التي حررت نفسها من قيودها لم تكن لديها الرغبة لوضع قيود على الآخرين من صنع مختلف . في زخمها الثوري فقد سعت هذه الجماهير على الفور إلى بناء منظمات حرة التي لن تساعد فقط في جهودها لبناء مجتمع جديد بل و التي ستدافع عنها ضد العدو . إذا نظرنا لهذه العملية عن قرب , فإننا نصل إلى استنتاج أن أفضل طريقة لخلق حرية جماعية جديدة هي « السوفييت الحر » . انطلاقا من هذا الاستنتاج سيدعو الثوري الأناركي المستعبدين للنضال في سبيل هذه الاتحادات الحرة . سيؤمن أن الثورة الاجتماعية ستخلق لذلك الحرية فيما تسحق العبودية في نفس الوقت . يجب تثمين هذا الإيمان و الدفاع عنه . الأشخاص الوحيدون الذين يمكن أن يكونوا جاهزين للدفاع عن هذا الإيمان هم الجماهير نفسها التي صنعت الثورة و التي تساوي حياتها بمبادئها . فيم تخلق الجماهير البشرية الثورة فإنها تبحث بشكل فطري عن اتحادات حرة و تعتمد على أناركيتها المتأصلة فيها , سوف تتمسك قبل أي شيء آخر بالسوفييت الحر . عندما تصنع الجماهير الثورة فإنها ستتعلق بإيجاد هذه السوفييتيات بنفسها و على الأناركي أن يساعد في صياغة هذا المبدأ .
الصعوبات الاقتصادية في المجتمع الحر ستحل من خلال تعاونيات المنتجين – المستهلكين و التي ستعمل السوفيتيات الحرة فيها كمنسقين و شارحين . يجب أن تكون طبيعة السوفيتيات الحرة أثناء الثورة الاجتماعية في توحيد و تقوية موقف الجماهير بحثهم على أن يأخذوا إرثهم الشرعي ( الأرض , المعامل , الورشات , مناجم الفحم و المعادن , السفن ,الغابات , الخ ) بأيديهم . فيم تشكل مجموعات وفقا للمصلحة أو الرغبة , ستبني الجماهير نسيجا اجتماعيا بالكامل بشكل حر و مستقل .
سيتطلب النضال في هذا الطريق تضحيات كبرى , لأنه سيكون الجهد الأخير لإنسان حر تقريبا . في هذا النضال لن يكون هناك أي تردد , و لا عواطف . الحياة أو الموت ؟ – هذا السؤال سيطرح أمام كل إنسان يكترث لحقوقه و أفراد البشرية أولئك الذين يناضلون من أجل حياة أفضل . فيم ستكون الأرجحية لغرائز الإنسان السليمة فإنه سينطلق على هذا الطريق إلى الحياة كمنتصر و كخالق .
نظموا أنفسكم أيها الإخوة , ادعوا كل فرد إلى قواتكم . ادعوه من المصنع , من المدرسة , ادعوا الطلاب و المثقفين . قد لن يأتي 9 من أصل 10 أكاديميين إليكم , و قد يتصادف أن يأتوا لكي يخدعوكم إذا كانوا خدما لخمسة الدولة . لكن الرجل العاشر سيأتي . سيكون صديقكم و سيساعدكم على التغلب على خداع البقية . نظموا أنفسكم , ادعوا كل فرد إلى قواكم , طالبوا كل الحكام أن يوقفوا غباءهم و معاملة الحياة الإنسانية بوحشية . إذا لم يكفوا , انزعوا سلاح البوليس , و الجيش و بقية منظمات دفاع الخمسة . أحرقوا قوانينهم و دمروا سجونهم , اقتلوا الجلادين , سم البشرية . دمروا السلطة ! ادعوا إلى قواكم الجيش المؤلف من كتائب التجنيد , هناك الكثير من القتلة في الجيش الذين هم ضدكم و الذين تتم رشوتهم ليقتلوكم . لكن هناك أصدقاء لكم حتى في الجيش . سيوقع هؤلاء البلبلة في عصابات القتلة و سيسارعون إلى جانبكم .
بعد أن تجمعوا أنفسكم في عائلة عالمية كبرى , أيها الأخوة , سنذهب أبعد في النضال ضد الظلام . وفقا للمثال الإنساني الشامل ! سنعيش كإخوة , و لن نستعبد أحدا . سيكون الرد على القوة الهمجية للعدو بقوة جيشنا الثوري . إذا لم يتفق أعداءنا مع مثالنا سنرد ببناء حياتنا التي تقوم على المسؤولية الفردية . فقط عدة مئات من المجرمين الذين ينتمون إلى الخمسة لن يرغبوا بالسير في الطريق إلى حياة جديدة بنشاط مثمر . سيحاولون قتالنا لكي يستعيدوا السلطة . و يجب أن يموتوا .
ليحيا المثال الأعلى للتناغم الإنساني الشامل , و نضال الإنسان في سبيله !
ليحيا المثال الأعلى للمجتمع الأناركي !
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن www.nestormakhno.info