La révolution d’Ali bin Ghadhahm Al-Majiri
إندلعت ثورة علي بن غذاهم الماجري سنة 1864 ضد نظام محمد الصادق باي ..و كان السبب المباشر لاندلاعها هو مضاعفة الدولة لضريبة الاعانة من 36 ريالا إلى 72 ريالا تونسيا وشاركت فيها عدة قبائل في وسط وغرب البلاد وامتدت الثورة لتشمل عدة مناطق في الساحل والجنوب. في ذلك التاريخ كان المعروف عن عروش غاردماء تمردها المستمر على سلطة الحاضرة -عاصمة الحكم- و إمتناع سكانها عن دفع الضرائب و تسليم محاصيلهم للبايات .. رغم كل محاولات إغضاع عروشها و تركيع شيوخها بالمال و المِلك و التهديد.
بعد أشهر من النفي قضاها علي بن غذاهم في الجزائر قرر في يوم 17 نوفمبر 1865 ،بعد أن جذبه الحنين إلى الوطن ، أن يعود إلى تونس سراً مع شقيقه ، حيث وجد ملجأً في سلسلة جبال الرقبه (غارديماو) في مرتفعات شمال غرب البلاد ولم يكن هذا الأمر ليخفى على الباي إلّا أنّه تستّر على هذا الخبر خشية أن يلتفّ النّاس مجدّدا من حوله ثمّ حاول استمالة شيوخ قباءل غارديماو ووعدهم بجزيل الأموال سرّا لو ساعدوه على التمكّن من بن غذاهم لكنهم رفضو و حاصرت قوات الجنرال سليم جبال غاردماء لكن أهلها رفضوا تسليم لاجئهم لأنهم كانوا كما سبق و ذكرنا في حروب مستمره ضد حكومة الباي و كانو قادرين على صد كل محاولات الابتزاز. حتى تم الإيقاع بالبطل بن غذاهم و أسره خلال مؤامرة غادرة بدأت بدعوة الباي للصلح و تلبية مطالب المتمردين .. لإستدراجه و الإيقاع به في مدينة طبرسق من ولاية باجة. حسب مجلة ليدز العربية في بحث نُشِر سنة 2016
و بعد إمضاء إتفاقية باردو الإستعمارية سنة 1881 وجد الجيش الفرنسي صعوبة بالغة في إقتحام الحدود الفاصلة بين الجزائر و غاردماء و السيطرة على قبائل وشتاتة و السدارة و غيرهم من القبائل المرابطة على طول الشريط الحدودي نظرا لوِحدة هذه القبائل و تآزرها و تنظٌمها المحكم في صد الهجمات البرية للعدو الفرنسي ، و هذا موثق في جريدة -Le monde- في مقال كُتب سنة 1901 بعنوان ‘ جحيم الجبال الحدودية’ مما دفع المستعمر في مرحلة لاحقة للتراجع و تأسيس ما صار يُسمى عندها ‘غاردماء الجديدة’ أو وسط المدينة عوضا عن غاردماء القديمة التي كانت تمتد بين هنشير لخلاخلية و عروش أولاد حريز و التي تتفق مراجع تاريخية عديدة أنها كانت هدف إستعماري قبل الإعلان عن إحتلال تونس.
ولا ننسى حملات الإعتقال و الإعدام و التهجير و التجنيد الإجباري التي طالت أبناء غاردماء إنتقاما لدعمهم للثوار الجزائريين و مشاركتهم في كمائن مسلحة أوقعت خسائر مهمة في صفوف المستعمر و كسرت غرور الإمبريالية الفرنسية في عدة مناسبات أهمها معركة 4 أفريل 1938 في منطقة سيدي مسكين و وادي مليز التي كانت مثالا لقدرة جماهير الفلاحين و العملة و المهمشين على تنظيم نفسها من خارج أسوار الوصاية النخبوية و المركزية ..و هذا التمشي في المقاومة هو ماتحاول الأجهزة الرسمية و الموالين لها تحييده و تقزيمه في قراءاتها التأريخية لتلك الفترة و تقديمه على أنه مزج يوتوبي بين العفوية و العاطفية الشعبية من ناحية ، و على أنه تجسيد لولاء المناطق الداخلية لمفهوم السيادة الوطنية و مشروع دولتها المستقلة التي ستخلف الإستعمار الخارجي من ناحية أخرى.
تلك العقلية الأوليغارشية البغيضة تسربت بإرادة و عناد و قصدية ما أصبح يسمى في ما بعد بجيل التحرر الوطني ،إبان 1956 ليؤسس لحقبة جديدة من الإستغلال و التشفي و التهميش الذي طال غاردماء و عاقب أهلها .. فكانت إعادة تحديد النسل و الأنساب أول ما إنتهجته دولة بورقيبة ، بداية بتفتيت العروش المقاومة تحت مزاعما إدماج غاردماء في الجسد الوطني الذي ينبذ لعروشية و القبلية و الرجعية القديمة ، في حين كان السبب الحقيقي لهذه السياسة هو خوف بورقيبة من إحتمال عودة تنظم عروش غاردماء و توحدها ضد سياساته و منهجه الحكمي الذي أراد له أن يكون عقوبيا في حق منطقة أُتهِمت بالإنفصالية و اليوسفية و الشيوعية و التمعش من الكُنطرة على حساب إقتصاد وطني لم يكن وطنيا إلا في بر الساحل و العاصمة ، إقتصاد رأسمالي بوصاية إمبريالية تحمي مصالح البرجوازية الخارجية و بوكالة تونسية تملأ بطون و أرصدة المنتسبين إلى حزب الدستور و المتفانين في جلد أحلام الشعب و تكميم طموحاتهم في تحرر شعبي حقيقي تكون الإشتراكية مضمون مساره التاريخي و ملاحمه الفذة.
تواصلت تلك السياسات القهرية على إمتداد الستينات في تجلي للإقطاعية الجديدة عبر حيازة الدولة الأراضي الفلاحية بمنطقة غاردماء تحت عنوان التقسيم الزراعي و تونسة الفلاحة ..و أِفتكت الأراضي و الضيعات و الهناشر بعد أن إستردها المنتجون المحليون من أيدي المعمرين الأجانب و المشيخة و الحَركية الموالين لفرنسا ، مما زاد الناس تفقيرا و تهميشا و عمقت الفوارق الطبقية.
مما لا يدعو مجالا للشك أن العزلة الثقافية والسياسية والإقتصادية التي فرضت على مناطق عدة من الشمال الغربي كغاردماء هي نتاج فكرة نيوكولونيالية ممنهجة للإبقاء على الجهل و التسطيح و التسول للدولة و ليست من محض الخطأ الحوكمي أو سوء التقدير أو ضعف الإمكانيات و الموارد كما تزعم مجاميع الدولجيين و مفكري السلطة.